الثلاثاء، فبراير ١٩، ٢٠٠٨

ألا تغــار ؟ الجواب : لا


قال سعد بن عبادة سيد الأنصار رضي الله عنه : لو رأيتُ رجلاً مع إمرأتي لضربته بالسيف غير مصفح ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "أتعجبون من غيرة سعد ؟ لأنا أغير منه ، والله أغير مني " . متفق عليه .

تأمّلت هذا الحديث من جهة تفاوت الناس في طبائعهم ، كيف أنّ الأنصار - وهم من هم - تعجبوا من شدة غيرة سعد ، إذ أنّ الموقف الذي فيه سعد يستدعي الشرع منه أن يحضر أربعة شهداء وألا يعالجه بالسيف ! ففي الروايات الأخرى للحديث أنّ سعداً سأل النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً : أرأيتَ الرجل يرى مع امرأته رجلاً أيقتله ؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم : "لا " ، فقال سعد : بلى والذي أكرمك بالحق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مخاطباً الأنصار : " اسمعوا إلى ما يقول سيدكم ، إنه لغيور ، وأنا أغير منه ، والله أغير مني " والرواية في مسلم .
تعجّب الأنصار من ردة فعل سيدهم سعد ، وتعجبوا من شدة غيرته أيضاً ، فطلب النبي ألا يتعجبوا ، بل هو أشدّ غيرة ، هي حادثة حدثت في عصر النبوة ، دلّت على أنّ الناس يتفاوتون في مشاعرهم في مبادئهم ، لذلك هذا ما يستوجب عليك عندما تنطلق في العالم الواسع ، وتواجه ألوان الناس ، بل حتى عند اختلاطك مع مجتمعات مصغرة في مجتمعك الكبير ستجد اختلاف الطبائع لديهم .


هل أخطأ الأنصار في عدم وصول غيرتهم إلى غيرة سيدهم سعد ؟
ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يصل مستوى غيرتهم إلى هذا الحدّ ، لأنّ هذا الشيء يتفاوت .


ليس حديثي عن الغيرة ، إنما بشتى أنواع الطبائع والسلوكيات ، لنستوعب ونفهم أنها متفاوتة ، حتى إذا جلست مع غيرك لا تجبرهم على بغضك بما تحتقرهم به ، وكذلك لا يجب عليك أن تحتقر من ترى فيهم شدّة في الطبائع ، إذ المطلوب احترام هذا التفاوت والتعايش معه .

مثال آخر ، عندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في رؤياه بيتاً في الجنّة فسأل لمن هذا البيت فقيل له لعمر ، فهمّ أن يدخله لكنه امتنع بسبب تذكره لغيرة عمر ، فبكى عمر متعجباً كيف يظنّ النبي صلى الله عليه وسلم أنه يغار منه ، الغيرة فيها ارتفاع عند عمر فاحترم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشيء في عمر . والقصة في البخاري .
كذلك ، أسماء بنت أبي بكر زوجة الزبير بن العوام عندما كانت تحمل النوى فلقيها النبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يحملها ، فاستحيت أسماء وتذكرت غيرة الزبير أن تركب والرجال مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فتركها النبي صلى الله عليه وسلم لمّا رآها مستحية ، فاحترم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الطبع فيها وهذا الطبع في الزبير ، ولم يكن ليقدم النبي صلى الله عليه وسلم في عمل فيه اساءة ، حاشاه وكلا ، والقصة في البخاري .

ما أريد توضيحه أحبتي :) العالم واسع ، وفيه تختلف مشارب الناس ، ولنعلم التفاوت في طبائعهم ونفوسهم ، والإسلام جاء ليتماشى مع كل المجتمعات فيحترم ما يقبل المرونة ، ويهذب من يقبل التهذيب ، ويمنع ما هو مرفوض ، ويشجع على ما هو حسن وطيّب .


لكم لك المحبة،،

هناك ٨ تعليقات:

الخلوق يقول...

جميل ما تفضّلت به ، ليس الناس على مستوى واحد ، وعلى قولة المثل العامي ( أصابع إيدك مهب مثل بعض ) ، ولكن كما قلت سابقاً لا بد من حد أدنى من كل خلق :)

شكراً أيها الرائع

غير معرف يقول...

ما أريد توضيحه أحبتي :) العالم واسع ، وفيه تختلف مشارب الناس ، ولنعلم التفاوت في طبائعهم ونفوسهم ، والإسلام جاء ليتماشى مع كل المجتمعات فيحترم ما يقبل المرونة ، ويهذب من يقبل التهذيب ، ويمنع ما هو مرفوض ، ويشجع على ما هو حسن وطيّب .

قلت "هناك" يكفيني منك هذه

شكراً لك مع التحية

غير معرف يقول...

تنبيه نحوي:
درست فيما درست أن السؤال إذا ابتدأ بحرف نفي فإن الجواب يكون بـ (نعم) للإثبات وبـ(بلا) للنفي. والله أعلم.

أما فيما يتعلق بمقالك أخي الكريم ، فلقد أجدت وأبدعت في الفكرة ، وباعتقادي -الشخصي- أنك لو لم تكرر مثال الغيرة وضربت أمثلة أخرى فيما يتعلق باختلاف أمزجة واهتمامات الصحابة ربما كان أفضل لتوضيح الفكرة.
مثلًا: قصة النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد غزوة بدر عندما استشار أصحابه في الأسرى فقال أبو بكر: يا رسول الله! هؤلاء القوم والعشير، فاقبل منهم الفداء، ونحن بحاجة إلى المال نستفيد به، ولعل الله أن ينعم عليهم بالإسلام، فيكونوا لنا عضداً، قال: ما تقول يا ابن الخطاب؟ قال: أرى ما لا يرى أبو بكر ، أرى أن تعطي عمر فلاناً -لقريب له- أضرب عنقه، وتعطي عقيلاً لـعلي يضرب عنقه، وتعطي فلاناً لـحمزة ، وتعطي كل قريب لقريبه يضرب عنقه، حتى يعلم المشركون أن لا هوادة بيننا وبينهم. وقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله! انظر وادياً كثير الحطب، وأدخلهم فيه، وأجج عليهم الوادي ناراً، ثم تركهم صلى الله عليه وسلم ودخل؛ فقال قوم: يأخذ بقول أبي بكر، وقال قوم بقول عمر، وآخرون: بقول عبد الله بن رواحة، ثم خرج عليهم، فقال: (إن الله يليّن قلوب أقوام فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدد قلوباً حتى تكون أشد من الحجارة، مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم؛ قال: مَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [إبراهيم:36] وإن مثلك يا أبا بكر مثل عيسى؛ قال: (( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ))[المائدة:118] الآية، ومثلك يا عمر كمثل نوح، قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا [نوح:26] ومثلك مثل موسى قال: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ [يونس:88])

فهذا ربما مثال واضح على اختلاف أمزجة الناس وطباعهم حتى في الأحكام الشرعية.
ولك التحية أخي الكريم.

غير معرف يقول...

سلم الفهم !
ما شاء الله

[ بالمناسبة - لأول مرة أعلق في مدونة ! ]
دم بخير

حسن الأنصاري يقول...

هلا بك الخلوق :)
تنبيه جميل عزيزي ، وأيضا كما قلتُ لا يظن البعض أنّه يملك الحدّ الأدنى فيحاسب غيره ويتهم الآخرين .

العفو يا أروع :)

حسن الأنصاري يقول...

قرموص الركية :)

العفو ، تسلم وما تقصر :)

حسن الأنصاري يقول...

أخي وليد "وحي القلم"
أشكر لك هذا التنويه ، جزاك الله خير :).

وصدقت لو ضربنا أمثلة أخرى لكان أفضل في ايصال المراد ، وما ذكرته عزيزي أثرى الموضوع . أشكر لك هذه الاضافة :).

حسن الأنصاري يقول...

الأخت صافيا ..
شرفتينا والله ، وشرفتي مدونتي بأول تعليقاتكم ، ونأمل ألا تكون الأخيرة :).

وفقك الله.