استنبط الفقهاء طُرق انكار المنكر ومراتبه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، ومن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " ، حديثي إن شاء الله عن المرتبة الأولى ، وهي مرتبة الإنكار باليد ، وسأتحدث عن نقطتين في هذه المرتبة .
النقطة الأولى : قال البعض أنّ مرتبة الانكار باليد خاصة بالإمام أو من يوكله وليس لآحاد الرعية الحق في انكار المنكر باليد ، وهو قول بعيد مجانب للصواب ، بل هو تخصيص بدون دليل ، والأدلة الواردة في الحث على انكار المنكر باليد لجميع المسلمين ولم يأت التخصيص ، بل عليه عمل السلف في كسر آلات اللهو والطرب والخمور . لذلك يقول ابن قدامة رحم الله : " واشترط قومٌ كون المنكِر مأذوناً فيه من جهة الإمام أو الوالي ، ولم يجيزوا لآحاد الرعية الحسبة ، وهذا فاسد ، لأنّ الآيات والأخبار عامة تدل على أنّ كل من رآى منكراً فسكت عنه عصى ، فالتخصيص باذن الإمام تَحَكّم " .
النقطة الثانية : يستشنع البعض مسألة الانكار باليد لآحاد الرعية ، ودائما يتصور أنّ مسألة الانكار باليد سوف تتضارب مع الأصل العام الذي وضعه أهل العلم في مسألة الانكار وهو " ألا يترتب على الانكار منكرٌ أعظم منه " فلذلك هو دائم الاستشناع لهذه المسألة خوفاً من ترتتب المنكر الأعظم ، وسوف تجده يقول بالقول الأوّل الذي فندناه ، وذلك أنّ الحاكم - في نظره - سوف يستطيع التحكّم بالأمور والنتائج فلن يترتب عليها منكراً أعظم منه .
وأنا أقول أنّ سبب هذا الاستشناع ولجوءه للقول الأول خطأ تصوره لمسألة الانكار في اليد ، فهو يتصور أنّ الانكار باليد يعني الضرب فقط! وهذا بالتأكيد سوف يؤدي إلى الاستشناع .
لكن لأوضح أنّ الانكار باليد لا يعني الضرب دائما :)
إذ المقصود في حديث النبي صلى الله عليه وسلم وتوجيهه هو "تغيير المنكر" ، فأنت إذا رأيت منكراً فتغيره بيدك ، كأن ترى قنينة خمر فتكسرها ، أو آلة عزف فتكسرها، هذا يسمى تغييرا للمنكر باليد ، ولا يعني أن تذهب لمن يشرب الخمر فتضربه ، وكذلك كما وضح النبي صلى الله عليه وسلم لعليّ بن أبي طالب ألا يدع قبراً مشرفا إلا سوّاه ، ولا صورة إلا طمسها ، ولا وثنا إلا كسره ، فهذه أمثلة أخي الفاضل على الانكار باليد وتغيير المنكر .
هل يصل الأمر إلى الضرب ؟ :)
نعم قد يصل إلى ذلك إذا لم يتمكن من تغيير المنكر ، لأننا نقول أنّ الأصل هو تغيير المنكر وليس القصد هو الايذاء أو الضرب بذاته ، ومَن قال مِنَ الفقهاء بجواز الضرب حدّده بتغيير المنكر ، وأن يقتصر على المطلوب فقط دون التعدّي ، وألا يصل الأمر إلى إشهار السلاح ، وبعضهم قال - كابن الجوزي - ولو أشهر سلاحه - أي المنكر عليه - واستعان برفقائه ، فأشهر سلاحك واستعن بمن تستطيع .
استعرضتُ هذا الحديث لكي أوضّح اللبس الذي عند الناس في هذه القضية ، وليس لمناقشة حدث صار أو حادثة تُثار ، أو تقييمها أو قياس صحتها ، أريدهم أن يتفهّموا المعنى الصحيح للانكار باليد ، ويبتعدوا عن التصوّر الخاطئ في أنّ الضرب = الانكار باليد ، إذ أنّ المقصود هو تغيير المنكر فقط وإن احتاج للضرب فيقتصر على الحاجة وليس هو بلازم ، لأنّ القاعدة العامة في انكار المنكر هو ألا ينتج عنه منكر أعظم منه ، والمسألة ترجع لتقدير المنكِر ، لذلك عليه أن يتق الله تعالى في عباد الله والمسلمين وألا يستهين بحرمات الله تعالى وألا يتخاذل ويتكاسل عن الانتصار لها .
أشكر لكم القراءة ، لكم أجمل الودّ والمحبة ، والدعوات القلبية :).
هناك ٥ تعليقات:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اشكركم على هذه الفائده الشرعيه
نطمح كثيرا لأن نقرأ مثل هذه المقالات المفيده التي يقل وجودها في المدونات الكويتيه ..
الإنكار باليد في زماننا هذا -للأسف- اصبح من التعدي على حقوق الغير و يعاقب عليه قانونيا ..
بل و اصبح من السنن المهجوره !!
انا شخصيا أرى ان الانكار باليد لا يكون بالضرب ,, أعتقد الضرب بالذات حق خاص لولي الامر او القاضي و يدخل في باب التعزير ,, بل قد يكون جنايه
فأنت تضرب فلان لكي تمنع المنكر فيرفع امرك للقاضي حتى تقام عليك العقوبه و يخرج منها سالما !!
اما ان كان تحطيم آله موسيقيه او إراقة الخمور فهنا لا أجد مانع ..
أخوي أبو الزبير ، الإنكار باليد ينفع وربما لا يزال ينفع بشكل كبير في محيط الأسرة أو المدرسة ، لكن أن يتجاوز ذلك المحيط ومع وجود المؤسسات المخولة بإنكار المنكر أظن أنه يجر مفسدة لصاحبه أولاً ثم يتسبب في تطور المنكر.
ومثل ما يقولوا ما في شيء يستاهل أحياناً البهدلة خصوصاً مع الجهات الأمنية ، التي لن تتفهم إلا النظام والتقيد به ولن تتفهم شيء اسمه منكر وضرورة إنكاره.
أقول كلما أدخل على مدونتك يشتغل معي الكاسبر ويطلع رسالة تحذيرية.
موضوع رائع .
وجزاك الله خير على التفصيل .
موضوع ميعه البعض .
.
أخوك : عزووو
أهلا بالاخوة ..
مسلم .. دائما نحرّص على المرء أنه يقدّر المصلحة والمفسدة في انكاره للمنكر ، والبعض يفضّل البهذلة على انها من تبعات القيام بالحق والصبر على الاذى فيه ، فهل نستطيع أن نقول لهذا الشخص أنت مخطئ ؟ لا أظن بامكاننا ذلك ، اختار طريقاً أحبه وأخلص له فالله يعينه ، ومن أراد تجنب البهذلة فله ذلك أيضا .
بالنسبة للكاسبر ما ادري شقصته صراحة ، أنا شخصيا أزعجني هالبرنامج كثيرا فاستبدلته بالافيرا أفضل بكثير .
استفدت كثيراً هنا ..
بوركت أستاذي حسن على هذا الإثراء !
إرسال تعليق